فرضت المضامين الجديدة التي نحت منحى جديدا على الشاعرالعربي الحديث إعادة النظر في الموروث الشكلي للشعر العربي، فكان لزاما عليه أنيتوسل للتعبير عن تجربته الذاتية، بأشكال مختلفة من الصيغ التعبيرية، والصورالفنية، والإيقاعات الموسيقية.وترتب على ذالك أن جاءت القصيدة الوجدانية، أكثر يسراوسهولة من القصيدة الإحيائية المتأثرة بالتراث القديم كما نلمسه في القاموس الشعريلدى محمود سامي البارودي المثقل بمفردات البيئة الصحراوية البدوية: (القطا ـالكاسرات ـ الذئاب ـ أسماء النباتات ...).القصيدة الحداثية أصبحت أكثر قربامن الحديث اليومي للناس، وتجلت هذه الظاهرة أكثر في اللغة، عند كل من عباس محمودالعقاد، في ديوانه: "عابر سبيل". وفي شعر إيليا أبو ماض. كما أن الشاعر الحديث وظفالصور البيانية بربطها بتجربته الشعرية ربطا وثيقا لشرح عواطفه، وبيان حاله، كماعند إبراهيم ناجي في ديوانه: "ديوان ناجي"، وليست مجرد وسائل للزينة. كما أنالقافية لم تعد فقط وقفة عروضية شكلية، وإنما ارتبطت بأفكار الشاعر، وعواطفه.وينبهنا الباحث أن هذه المكتسبات لم تتحقق إلا لقلة من الشعراءالمتميزين.ومع ذالك فقد ظلت المحاولات التجديدية محتشمة، ومحبوسة في حيز ضيق، ويرجعالأسباب إلى الحملة العنيفة التي شنها النقاد المحافظون على هذه الحركة. فهمينطلقون من مفهوم محدد للغة باعتبارها موجود مقدس، وأي مساس بها يعتبر مساسابالمقدس، ومن هؤلاء النقاد: مصطفى صادق الرافعي، طه حسين، وكذالك العقاد الذي تحاملعلى لغة الحركة التجديدية في بعض مقالاته، وإن تراجع/ارتد عن آراءه في آخر المطاف.ويكمن السر في تراجع هؤلاء النقاد عن مواقفهم أنهم لم يعثروا على حجج قوية تقف فيوجه التطور والتجديد.وتحامل النقاد المحافظون أيضا على التجارب الشعرية التيمزجت بين الأوزان المختلفة في قصيدة واحدة، الشيء الذي لا تستسيغه الأذن التي تعودتعلى سماع الشعر التقليدي، كما فعل إيليا أبو ماض في قصيدته: "المجنون"، التي هاجمهاطه حسين، واعتبرها ضرب من الجنون.لقد حققت حملة المحافظين غاياتها،وأثرت كثيرا في مسار الحركة التجديدية، فتراجع بعض الشعراء عن طموحاتهم التجديدية،في حين توقف البعض نهائيا عن نظم الشعر كما فعل صالح جودت بعد صدور ديوانه الأول،حيث قال: "عزيز علي والله أن أودع الشعر، وأسكب آخر قطراته من قلبي، وأقف موقفالجندي الذي يطمع في الإنتصار، فيلقي السلاح، وينتحر". (مجلة أبولو/ المجلد الثانيص269).وانتهت هذه التيارات التجديدية نهاية محزنة ـ على حد تعبير الباحث ـفالمضمون بقي مرتبطا بنغمة الكآبة، والأنين، والتوجع، والشكوى. كما أن الشكل فشل فيالوصول إلى صورة تعبيرية ذات مقومات مكتملة، وناضجة، وذالك بسبب تحامل المحافظينعليها، هذا التيار المحافظ هو من سيتراجع، ويستسلم بعد هزيمة 1948م، وانتصار الكيانالصهيوني. ومع ذالك فقد عاود الشعر العربي محاولة التجديد متسلحا بالحرية التي أصبحالشاعر الحديث يمتلكها، ليخوض تجربة أخرى رائدة برؤية قوامها: الإيمان بالإنسانوالمجتمع
0 التعليقات:
إرسال تعليق