السبت، 30 أغسطس 2014

العنف



  تقديم المفهوم:
  يبدو أن مظاهر العنف كثيرة، فهو يمارس بأشكال متنوعة. هناك العنف الفزيائي من ذلك مثلا القتل و الاغتيال، لكن هناك العنف السيكولوجي أو الأخلاقي، مثل التعذيب عن طريق العزل. كما يوجد العنف الاقتصادي من خلال استغلال الطبقات أو البلدان الضعيفة. مثلما، أن هناك عنف الأنظمة التوتاليتارية ذو الأهداف السياسية و عنف العنصرية... إلخ و اللائحة طويلة إلى درجة تدفع إلى إثارة السؤال عما إذا كان هذا التعدد في صور العنف و أشكاله يعبر عن واقع ثابت أم أن استعمال مفهوم وحيد لا يعكس الإختلافات بين مظاهره ليس من الناحية الكمية فحسب. و إنما أيضا الجوهرية. إنه يوجد في كل مكان. و يمكن استعماله كموضوع للبروباغندا و إلا كعنصر من عناصر تاكتيك للوصول إلى السلطة و المحافظة عليها. إذا أدى العنف إلى تدمير الوجود برمته أو جزء منه، فإن العنف المنجز قد يكون أداة في خدمة مشروع يمكن ألا يكون عقلانيا، لكن شروط استعماله تبدو قابلة للعقلنة.
يمكن أن نسلم بصفة أولية أن العنف يوجد كلما كان هناك إلحاق للأذى بالغير بصفة جسدية أو نفسية، سواء أخذنا الغير كفرد أم كجماعة أو مجموعة بشرية.
إذا اعتبرنا هذا التعريف جيدا يجب أن نتصور العنف كواقعة تارخية  و يتحدد بإعتباره كمحرك أو دينامو للتاريخ من وجهة نظر معينة،  و يقوم على استخدام القوة بشكل غير مشروع لسبب من الأسباب. فكيف يمكن مراقبة العنف و التحكم فيه إذا كان يجب أن نبدأ بقبول حضوره الجذري في الإنسان؟
لقد أنتجت البشرية على مدى التاريخ آليات و وسائل للحد من العنف حيث يعتبر الدين و الثقافة كعنصرين كابحين للعنف بشكل معنوي و أخلاقي، على أن أهم تقنية للتحكم في العنف تتمثل في التنظيم السياسي للمجتمع ينبني فيه هذا الأخير في صورة مؤسسات حديثة تجتث العنف و تجعل استخدامه حكرا على جهاز الدولة. و في هذا السياق تبرز الديموقراطية كنظام يتطلع إلى القضاء على العنف و تدبير الخلافات و الصراعات السياسية بكيفية حضارية تقوم على قوة القانون و ليس على قانون القوة: فإلى أي حد نجحت الدولة الحديثة في القضاء على العنف؟ و هل من حق الفرد أو الجماعة ممارسة العنف من أجل فرض ما يعتقد أنه حق و عدل و خير؟
المحور الأول:
أشكال العنف:       ما طبيعة العنف؟
أفرز التاريخ البشري أشكالا متعددة من العنف، يمكن أن نميز ضمنهما بين نوعين، هما: العنف الجسدي و العنف الرمزي. كلاهما يمارس بطرق و وسائل متعددة تتطور باستمرار بقدر تطور العلم و التقنية. و ليس بديهيا أن تكون هذه الأشكال دائما ظاهرة، ذلك  أن العنف يتحقق أيضا من خلال أشكال متخفية مثلما هو الأمر في << نقص التغذية>> كما يشير إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي إيف ميشو. يرى هذا الأخير أن إنتاج وسائل العنف يشمل << وسائل التسليح الفردي كما يشمل وسائل التخريب الجماعي>>.
و بما أن هذه الوسائل أصبحت في متناول الكل: أفرادا، جماعات، دولا، فإن العنف يصير أكثر فتكا. كما أنه أضحى أكثر اتصالا بالإعلام، على اعتبار أن هذا الأخير يسخره عن طريق نشره أو السكوت عنه. و يخلص هذا الفيلسوف إلى أن << تطبيق التقدم التقني  و العلمي على استعمال العنف و على كيفية تدبيره يمكننا من فهم.
أ- الفعالية المضاعفة التي تم التوصل إليها فيما يخص أشكال التحطيم و التخريب . فإبادة مجموعة بشرية ما. و إبادة مزروعات، و تهديد حياة الملايين من الناس تتطلب وسائل و تنظيما لم يسبق له مثيل.
ب- من حيث إن العنف أصبح قابلا للحساب و التحكم فإنه يمكن أن يحقق مردودية حيث أصبح من الممكن فرض السيطرة بواسطة التعذيب و القمع و التهديد به>>. فهل معنى هذا أن العنف هو ما يشكل ماهية الإنسان؟ هل الإنسان كائن عنيف بطبعه؟ هل يوجد العنف في طبيعة الإنسان؟ هذا السؤال يطرح نفسه بالنظرإلى قدم الظاهرة و استمرارها عبر التاريخ البشري، و هو يتعلق بما إذا كان الإنسان شغوفا بالتدمير؟ من يجيب الفيلسوف و عالم الإجتماع و المحلل النفساني الألماني إيريك فروم عن هذا السؤال بالقول:<< إن دراسة بعض الظواهر الإجتماعية و الطقوس الشعائرية القديمة قد توحي بأن النزعة التدميرية لها جدورها النظرية في طبيعة الإنسان . إلا أن التحليل المعمق لدلالات هذه الظاهرة ، يثبت أن كل الممارسات التي تؤدي إلى التدمير ليست ناتجة بالضرورة عن < شغف بالتدمير> . بالتالي فإن التدمير ليس سلوكا ينتج بصفة عملية عن غريزة تدميرية توجد في طبيعة الإنسان بقدر ما ينتج  عن دوافع ونزعات ليس من الضروري أن تكون طبيعية وذات علاقة بالممارسات والشعائر الطقوسية الدينية . يترتب عن ذلك أن الطبيعة البشرية ليست هي التي تولد العنف وإنما هناك < طاقة تدميرية كامنة تغديها بعض الظروف الخارجية والأحداث المفاجئة هي التي تدفع به إلى الظهور> .
وأما المقصود بالعنف الرمزي فهو مختلف أشكال العنف غير الفيزيائي القائمة على الحاق الأذى بالغير بواسطة الكلام أو اللغة أو التربية أو العنف الذهني ، وهو يقوم على جعل المتلقي يتقبل هذا العنف <<اللطيف>> مثال ذلك العنف الرمزي الذي تقوم به الإديولوجيا من حيث هو عنف لطيف وغير محسوس . يعرف عالم الإجتماع الفرنسي المعاصر بيير بورديو هذا الشكل من العنف بالقول أنه هو ذلك الذي < يمارس على فاعل اجتماعي ما بموافقته > وبلغة أخرى < فإن الفاعلين الإجتماعيين يعرفون الإكراهات المسلطة عليهم وهم حتى في الحالات التي يكنون فيها خاضعين لحتميات يساهمون في إنتاج المفعول الذي يمارس عليهم نوعا من التحديد و الإكراه> و بالنظر إلى أن هذا العنف رمزي فإنه يمارس بوسائل رمزية، أي التواصل و تلقين المعرفة.
المحور الثاني:
  العنف في التاريخ:          كيف يتولد العنف في التاريخ البشري؟
 يتحدد وجود كل مجتمع بشري – حسب ماركس- بوجود صراع بين طبقتين اجتماعيتين، الأولى تمتلك وسائل الإنتاج و الأرض و الثانية لا تمتلكها.
و ذلك منذ أقدم المجتمعات البشرية و أكثرها بدائية إلى المجتمعات الرأسمالية المتطورة . و هكذا ، فإن صراع الطبقات الإجتماعية يمكن أن يتخذ أشكالا فردية لا واعية عند الأفراد أنفسهم، كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي أو إيديولوجي واضح المعالم.
كتب الفيلسوف الألماني كارل ماركس في هذا السياق السابق: <<نلاحظ أنه منذ العصور التاريخية الأولى كان المجتمع في كل مكان مقسما إلى طبقات متمايزة ... ففي روما القديمة كان هناك سادة و فرسان، وأقنان و عبيد، و في العصور الوسطى كان هناك سادة و شرفاء، و سادة الحرف، و الحرفيون العاديون و أقنان، كما أن هناك داخل كل طبقة من هذه الطبقات سلم تراتبي خاص>> و قد أصبح الصراع الطبقي في المجتمع الرأسمالي بين البرجوازية و البروليتاريا.
و بالمقابل يرى المفكر الفرنسي روني جرار أن أساس العنف هو تنافس الرغبات ، و ذلك أن الرغبات الإنسانية تخضع لقانون المحاكاة،أي كرغبات في ما يرغب به الأخرون،<<كلما كانت رغبة الأخرين  (في شـيء ما) قوية و شديدة كانت رغبتي أنا أيضا قوية و شديدة (فيه). ينتج عن ذلك احتمال اندلاع العنف.
وهكذا فإن الصراع الإنساني يتولد عن صراع أو تنافس بين الرغبات. و إذا صح أن الرغبات تتشكل و تتطور من خلال المحاكاة، فإن العنف سيكون معديا من خلال انتشاره في الجماعة من فرد إلى أخر. و دواء هذا المرض المعدي هو القتل.
و  هذا الطرح يرجع بنا إلى تصور الفيلسوف الأنجليزي الحديث طوماس هوبز حول جذور العنف الذي يعتقد فيه أن مصدر هذا الاخير  ثلاثي، و يتمثل في: التنافس، الحذر ، الكبرياء، و هي أسباب توجد في الطبيعة الإنسانية. الأول يجعل الهجوم وسيلة لتحقيق((المنفعة))، الثاني وسيلة ((للأمن)) و الثالث وسيلة لحماية ((السمعة)).
على أن العنف له صلة أيضا بالتقديس و بالحقيقة، فهو يشكل إلى جانبهما << الأركان الثلاثة لكل تراث مشكّل و مشكّل للكينونة الجماعية>> كما سماها المفكر العربي محمد أركون الذي يشرح هذه العلاقة على نحو ما يلي:<< الجماعة مستعدة دوما للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها المقدسة. الإنسان بحاجة إلى عنف، و تقديس، و إلى حقيقة لكي يعيش و لكي يجد له معنى على الأرض. العنف مرتبط بالتقديس و التقديس مرتبط بالعنف و كلاهما مرتبطان بالحقيقة أو ما يعتقد أنه الحقيقة. و الحقيقة مقدسة و تستحق بالنسبة لأصحابها، أن يسفك من أجلها دم >>.
 المحور الثالث:
 العنف و المشروعية:   هل يمكن الإقرار بمشروعية العنف من زاوية الحق و القانون و العدالة؟
يرى عالم الإجتماع الألماني ماكس فيبر أن جوهر السلطة هو ممارسة العنف، و أنها وحدها تملك الحق و المشروعية في استعماله. من أين ينبع هذا الحق أو المشروعية؟ إنهما يرتدان إلى التعاقد الإجتماعي الذي بموجبه يتنازل الشعب للدولة عن حق استعمال العنف على أساس  نظام سياسي حديث يتميز بتقسيم السلط و مراقبتها لبعضها و بإجراء انتخبات بصورة منتظمة من أجل تشكيل هذه السلطة. و بالتالي يصبح العنف مرتبطا بالدولة الديموقراطية الحديثة  التي تضبط العنف و تحتكر استعماله. و يستشهد م.فيبر في هذا الصدد بقولة تروتسكي : << الدولة هي كل جهاز(حكم) مؤسس على العنف>> و هذه هي ميزة عصرنا الحالي، بحيث أنه لا يحق لأي كان استعمال العنف إلا عندما تسمح الدولة بذلك . فهذه الأخيرة << تقوم على أساس استعمال العنف المشروع >> و ستكون السياسة هي ((مجموع الجهود المبذولة من أجل المشاركة في السلطة أو من أجل التأثير على توزيع السلطة)).
لكن هل استخدام العنف حق مشروع لكل أشكال الدولة بما فيها الدولة الاستبدادية أم هو حق فقط للدولة القائمة على أساس ديموقراطي حديث؟
الإجابة عن هذا السؤال بالقول: إن عنف الدولة لا يكون مشروعا إلا عندما تكون هذه الدولة قائمة على أساس مشروع أي على التمثيلية، الإنتخابات، الحريات العامة، التعدديةالسياسية، و تداول السلط، و فصل السلطة. لكن يفترض هنا ان العنف هو الوسيلة الوحيدة للقضاء على العنف أي مواجهة القوة بالقوة. و ضد هذه الفكرة يطرح غاندي ((المفكر)) و الزعيم الهندي الشهير أن العنف رذيلة، و إذا كان العنف قانونا حيوانيا، فإن اللاعنف هو القانون الذي يحكم البشر. و يعرف هذا الأخير على نحو ما يلي:((الغياب التام للإرادة السيئة تجاه كل ما يحيى)) إنسانا كان أم حيوانا أم نباتا، << هو إرادة طيبة تجاه كل ما يحيى>> الصداقة ستكون حلا لمشكلة العنف، إذا أصبحت عامة بين الأفراد و الأمم. و ذلك ليس فيه تخلّ عن الصراع الإنساني، بل على العكس من ذلك فاللاعنف مناهض للشر لكن بوسائل الخير. إن القوة الحقيقية بهذا المعنى هي قوة الروح التي تستطيع أن تنجح في جعل اللاعنف ينتصر على العنف و السلام على الحرب و القوة الروحية على القوة الفزيائية.



مسألة العلمية في العلوم الإنسانية



تقديم:
إن كل المواضيع التي  تدرسها الفلسفة لها علاقة وطيدة بالإنسان، ولذلك فقد اعتبر الفيلسوف كانط بأن السؤال المركزي في الفلسفة هو: ما الإنسان ؟
غير أن ما وقع هو ظهور علوم تسمى بالعلوم الإنسانية ، مثل علم النفس وعلم الاجتماع ، انفصلت منذ بداية القرن التاسع عشر عن الفلسفة ، وحاولت دراسة الظواهر الإنسانية بمناهج العلوم التجريبية التي تدرس الظواهر الطبيعية. غير أن اختلاف موضوع العلوم الطبيعية عن موضوع العلوم الإنسانية طرح إشكالين رئيسيين في مجال العلوم الإنسانية؛ هما إشكال موضعة الظاهرة الإنسانية من جهة وإشكال المنهج المعتمد في دراستها من جهة أخرى.
إن الظاهرة الإنسانية هي ظاهرة معقدة وواعية ومتعددة الأبعاد،كما أنها ظاهرة متغيرة وتتداخل فيها الذات مع الموضوع. وهذا ما يطرح إشكال موضعتها، والذي يمكن أن نتساءل بصدده عن إمكانية جعل الظاهرة الإنسانية موضوعا قابلا للدراسة العلمية الدقيقة، كما يطرح إشكال المنهج المعتمد في دراستها. هكذا نجد بعض العلماء الذين انبهروا بالنتائج التي حققتها العلوم الطبيعية، مما دفعهم إلى محاولة تطبيق مناهجها على الظواهر الإنسانية، كما نجد علماء آخرين حاولوا ابتكار مناهج تلائم الظاهرة الإنسانية، وتختلف عن المناهج المعتمدة في علوم الطبيعة. فالفريق الأول، متمثلا في النزعة الوضعية أساسا، حاول تطبيق منهج التفسير الموضوعي المستلهم من العلوم التجريبية، بينما اعترض الفريق الثاني على إمكانية تطبيق منهج التفسير على الظاهرة الإنسانية واقترح منهجا آخرا يناسب خصوصيتها هو منهج الفهم.
انطلاقا من كل هذا يمكن الحديث عن إشكالين رئيسيين في هذا الدرس هما:
-     إشكال موضعة الظاهرة الإنسانية: والذي يطرح مدى إمكانية عزل الموضوع عن الذات في مجال الظواهر الإنسانية، ومدى قابلية هذه الأخيرة لكي تصبح موضوعا للدراسة العلمية الموضوعية الدقيقة.
-     وإشكال المنهج في العلوم الإنسانية: ويتعلق بالبحث عن المنهج المناسب الذي يجب اعتماده في دراسة الظاهرة الإنسانية؛ فهل يتمثل هذا المنهج تفسيرها أم فهمها ؟ هل هو منهج التفسير أم منهج الفهم ؟ وهل يمكن اتخاذ منهج التفسير السائد في العلوم التجريبية كنموذج للاستلهام والتطبيق في مجال العلوم الإنسانية أم يجب ابتكار مناهج تلائم طبيعة الظواهر الإنسانية ؟
-
المحور الأول: موضعة الظاهرة الإنسانية:
· طرح الإشكال:
حينما نتحدث عن موضعة الظاهرة الإنسانية فإن الأمر يتعلق بطموح يتمثل في محاولة جعلها موضوعا قابلا للدراسة العلمية الموضوعية، وحيث أن الموضوع في العلوم الإنسانية هو الذات نفسها؛ أي أن الذات الدارسة هي الموضوع المدروس أو على الأقل هناك تداخل بينهما، فإن مسألة الموضعة الخاصة بالظاهرة الإنسانية تطرح عدة صعوبات وعوائق؛ فهل يمكن عزل هذه الظاهرة عن الذات والتعامل معها كموضوع قابل للدراسة العلمية الدقيقة؟ وما هي الإجراءات والشروط الكفيلة بموضعة الظاهرة الإنسانية ؟ ومهل يمكن الحديث عن عوائق تعترض عملية الموضعة هذه ؟
1- إمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية:
لقد ارتبط طموح الوصول إلى العلمية في العلوم الإنسانية  بسعي الاتجاه الوضعي إلى موضعة الظاهرة الإنسانية وتطبيق منهاج العلوم التجريبية عليها. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى السوسيولوجي الفرنسي إميل دوركايم E.Durkeim الذي دعا إلى التعامل مع الظواهر الاجتماعية كأشياء، وهذا ما يسمى بتشييء الظاهرة الإنسانية أي إفراغها من محتوى الوعي، خصوصا وأن عالما أنثروبولوجيا مثل كلود ليفي ستراوس يعتبر بأن الوعي عدو العلم.
هكذا فقد حاول دوركايم موضعة الظاهرة الإنسانية وفصلها عن الذات الدارسة، سعيا منه إلى تفسيرها تفسيرا موضوعيا عن طريق استبعاد العوامل الذاتية والتركيز فقط على العوامل الموضوعية والواقعية القابلة للملاحظة والقياس والتعميم. ولهذا فالظاهرة الاجتماعية حسب دوركايم تتميز بخاصية الخارجية؛ أي أنها توجد خارج الذات ويمكن ملاحظتها مثل أي موضوع آخر، وهذا ما يسمح بتحقيق العلمية والموضوعية المطلوبة في دراسة الظاهرة الاجتماعية. كما تتميز هذه الأخيرة بصفة القهر والإلزام؛ أي أنها توجد خارج وعي الأفراد وتمارس عليهم إكراها ولا دخل لهم في إحداثها، وهذا ما يمكن من موضعتها وتفسيرها انطلاقا من عوامل موضوعية خارجية في استبعاد كلي لأية عوامل ذاتية وباطنية.
لقد استبعدت النزعة الوضعية مع دوركايم إذن منهج الاستبطان، وحاولت كنزعة علموية تجريبية الاقتداء بمناهج العلوم الطبيعية، مما جعلها تدعو إلى موضعة الظاهرة الاجتماعية مثلما يموضع علماء الطبيعة موضوعاتهم. لكن ألا يمكن القول بأن طموح الموضعة في العلوم الإنسانية صعب المنال نظرا لاختلاف الظاهرة الإنسانية عن الظاهرة الطبيعية ؟
2- عوائق الموضعة في العلوم الإنسانية:
لقد اعتبر عالم النفس جون بياجي j.Piaget أن العلوم الإنسانية لا زالت في بدايتها، وان طموح الموضعة لا زال لم يتحقق بعد، وهذا ما يتوجب على الباحثين والعلماء في مجال العلوم الإنسانية بذل مجهودات مضاعفة قصد تطوير أدواتهم ومناهجهم قصد تحقيق الدقة والعلمية المنشودة.
غير أن موضعة الظاهرة الإنسانية تطرح حسب جون بياجي عدة عوائق يمكن تقديمها كما يلي:
عدم تشابه الظاهرة الإنسانية مع الظاهرة الطبيعية؛ إذ أنها ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد وفريدة من نوعها.
يتأثر الباحث في العلوم الإنسانية بالموضوع الذي يدرسه لأنه جزء منه، ويصعب عليه أن يدرسه بحياد ونزاهة وموضوعية.
كما قد يؤثر الباحث في الظاهرة الإنسانية؛ فيغير من طبيعتها ويفهمها فهما خاصا، مما يجعل النتائج تختلف من باحث لآخر ويجعل إمكانية التعميم متعذرة.
يتداخل الموضوع في العلوم الإنسانية مع الذات ويصعب الفصل بينهما، وهذا بخلاف العلوم الطبيعية التي يمكن فيها فصل الذات عن الموضوع.
يتمركز الباحث في العلوم الإنسانية حول ذاته؛ أي أنه يقدم رؤيته للظاهرة الإنسانية المدروسة انطلاقا مما يحمله في ذاته من مشاعر وأفكار ومعتقدات ترتبط بالتزامه بمواقف فلسفية أو مذاهب إيديولوجية أو عقائدية. وهذا ما يجعل الباحث يسقط  تصوراته الذاتية على الظاهرة ويجعل تحقيق الموضوعية مسألة غاية في الصعوبة.
إن انخراط الذات في الموضوع يجعلها تعتقد في نوع من المعرفة الحدسية  بالموضوع، وهذا مخالف للمناهج والتقنيات العلمية التي من شأنها أن تحقق الموضوعية المتوخاة.
هكذا بين جون بياجي كيف أن الذات الملاحظة في العلوم الإنسانية تكون جزءا من الظاهرة التي تدرسها. وهذا ما يطرح مشكل تداخل الذات مع الموضوع ويحول دون إمكانية موضعة الظاهرة الإنسانية.
وصعوبة موضعة الظاهرة الإنسانية تطرح إشكالا آخرا يرتبط بمنهج دراستها. ونحن نجد أن أنصار الموضعة من الوضعيين  يسعون إلى محاولة تفسيرها بإرجاعها إلى عوامل موضوعية، في حين نجد معارضيهم يتهمونهم بإغفال العوامل الذاتية وهي العوامل التي تتطلب تفهما حقيقيا للظاهرة الإنسانية من أجل النفاذ إلى أسبابها الباطنية.
المحور الثاني: نموذجية العلوم الإنسانية: التفسير والفهم:
· طرح الإشكال:
إذا كان المحور الأول يتناول موضوع العلوم الإنسانية وإشكال موضعته، فإن هذا المحور الثاني يتناول مسألة ميتودولوجية تتعلق بمنهج دراسة ذلك الموضوع. فبأي منهج يمكن للعلوم الإنسانية أن تتناول موضوعها ؟ وإذا كان موضوعها هو الظاهرة الإنسانية، وهي ظاهرة فريدة ومتميزة عن الظاهرة الطبيعية، فهل يمكن للعلوم الإنسانية أن تدرس موضوعها باستلهام منهج التفسير السائد في العلوم التجريبية أم أنها مطالبة بابتكار منهج يلائم خصوصية الظاهرة الإنسانية ؟ وهل المنهج الملائم للظاهرة الإنسانية هو منهج التفسير أم منهج الفهم ؟ وما هي المرتكزات والخصائص التي تميز كلا المنهجين ؟
1- منهج التفسير:
إن التفسير هو المنهج المفضل في العلوم التجريبية، وهو يتجلى في الكشف عن العلاقات الثابتة التي توجد بين الحوادث والوقائع واستنتاج أن الظواهر المدروسة تنشأ عنها. وقد حققت العلوم الطبيعية نتائج باهرة باعتمادها على منهج التفسير العلمي الذي يرتكز على تقنيات منهجية كالملاحظة والقياس والتجريب، كما يسمح بتكميم النتائج وتعميمها. ولهذا السبب فقد حاولت النزعة الوضعية في مجال العلوم الإنسانية استلهام منهج التفسير من العلوم التجريبية واعتماده كنموذج للتطبيق في مجال الظواهر الإنسانية، رغبة منها في تحقيق الدقة والموضوعية والابتعاد ما أمكن عن التفسير الميتافيزيقي والمنهج التأملي الذي كان معتمدا في الفلسفة.
وفي هذا الإطار نجد إميل دوركايم، كأحد ممثلي الاتجاه الوضعي في علم الاجتماع، يعتمد منهج التفسير الموضوعي في دراسته للظواهر الاجتماعية، وذلك بأن دعا إلى تشييئها والتعامل معها كمجرد أشياء خارجية، والعمل على موضعتها وفصلها عن الذات الدارسة.
هكذا فقد رفض دوركايم اعتماد منهج الاستبطان والتأمل في دراسة الظواهر الاجتماعية، واعتمد بالمقابل على منهج التفسير الموضوعي الذي بموجبه يتم ربط الظواهر الاجتماعية بأسباب وعوامل موضوعية هي السبب في حدوثها، وهي عوامل واقعية قابلة للملاحظة والقياس والتعميم.
ويمكن تقديم ظاهرة الانتحار كمثال لظاهرة سوسيولوجية طبق عليها دوركايم منهج التفسير الموضوعي؛ حيث قام دوركايم بدراسة هذه الظاهرة في مجموعة من الدول الأوروبية ، وانتهى إلى أنها تتحدد بعوامل موضوعية تتمثل أساسا في التماسك الديني والتماسك السياسي والتماسك الأسري ، إذ أن ارتفاع عدد المنتحرين أو انخفاضهم يتحدد بحسب قوة أو ضعف هذا التماسك.
هكذا استبعد دوركايم العوامل الذاتية والباطنية في تفسير الظاهرة الاجتماعية، وذلك لصالح العوامل الموضوعية والظاهرة القابلة للملاحظة والقياس.
ويمكن الإشارة هنا أيضا إلى المدرسة السلوكية في علم النفس، إذ أنها هي الأخرى استبعدت منهج الاستبطان الذاتي وتبنت تفسيرا موضوعيا للسلوك الإنساني، يتمثل في رصد العلاقات الموجودة بين المثيرات والاستجابات والكشف عن القوانين التي تحكمها، وهي قوانين يتم التوصل إليها باعتماد تقنيات القياس والملاحظة وتكرار التجارب في محاولة للوصول إلى الموضوعية و الدقة العلمية في دراسة السلوك البشري.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا  هو:
ألا يؤدي تشييئ الظواهر الإنسانية، سواء كانت اجتماعية أو نفسية أو غير ذلك، إلى إفقارها وإفراغها من محتواها الحقيقي ؟ أو ليس لهذه الظواهر أسباب باطنية وذاتية مثلما أن لها أسباب خارجية وموضوعية ؟ ألسنا في حاجة إلى تفهم الظواهر الإنسانية بذل الاكتفاء بتفسيرها ؟
2- منهج الفهم:
نظرا لخصوصية الظاهرة الإنسانية وتعقدها فقد واجه منهج التفسير عدة عوائق في محاولته لدراستها والإحاطة بها. ومن أهم هذه العوائق هو وجود أسباب باطنية وذاتية ترجع إلى محتوى الوعي، تكون هي المحدد الأساسي لبعض الظواهر الإنسانية إضافة إلى العوامل الموضوعية. وإذا كان منهج التفسير يسمح برصد المحددات الموضوعية، فإن المحددات والعوامل الذاتية تحتاج إلى منهج آخر مغاير هو الذي يسمى بمنهج الفهم أو المنهج التفهمي. وهذا ما يتجلى في عبارة ديلتايDilthey الشهيرة: « إننا نفسر الطبيعة، لكننا نفهم ظواهر الروح ». فإذا كان الموضوع في العلوم الطبيعية ماديا ومعزولا عن الذات، فإن الموضوع في العلوم الإنسانية مرتبط بالذات وجزء لا يتجزأ منها. ولهذا يبدو أنه لا يمكن تفسير الظواهر النفسية وإجراء التجربة عليها، بل لا بد من تفهمها عن طريق منهج الفهم الذي يعتمد الحدس والاستبطان والتأويل
والفهم حسب السوسيولوجي الفرنسي جول مونروJules Monnrot « هو إدراك لدلالة معيشية تعطانا كتجربة بديهية ». ومن هنا فهدف المنهج التفهمي هو إدراك دلالات الأفعال عن طريق ربطها بالمقاصد والنوايا الذاتية لأصحابها والفاعلين لها، ولذلك فهو منهج يعتمد حسب مونرو على البداهة والحدس؛ فنحن نفهم بعض الحوادث بالبداهة كأن ندرك أن الشخص يكون غاضبا حينما يتم الاعتداء عليه، أو أن نتبين رفضه من خلال قسماته الجسدية. فما يكون بديهيا يكون واضحا ويحتم إدراكه بشكل مباشر، دون الحاجة إلى تفسيره بالاعتماد على طرائق وإجراءات موضوعية.
إن فعل الفهم حسب مونرو هو فعل معفي مباشر، إنه رؤية نافذة تدرك الظاهرة الإنسانية كظاهرة وجودية ووجدانية يتعين تفهمها والكشف عن المعاني والدلالات التي نستخلصها منها على نحو مباشر، دون الاعتماد على أية استدلالات أو تجارب استقرائية من شأنها أن تضعف الظاهرة وتعمل على تقويضها.
وفي نفس السياق، تبنى ماكس فيبر Max Weber منهجا تفهميا في دراساته السوسيولوجية، حيث بين أن الترابطات والانتظامات المميزة للسلوك البشري تقبل فقط أن تكون موضوع تأويل تفهمي. فالسلوك الإنساني يتميز حسب السوسيولوجيا التفهمية عند ماكس فيبر بمقاصد ودلالات ذاتية يتعين إدراكها لدى الفاعل المعني من جهة، كما يتميز بخاصية البينذاتية نظرا لارتباطه بسلوك الغير من جهة أخرى. ولهذا لا يمكن معرفته كسلوك إلا بطريقة تفهمية تكشف عن الدلالات والمعاني المقصودة ذاتيا من طرف الفاعل.
إن منهج الفهم يعتمد على التأويل ، ولذلك فهو يفرض نفسه كثيرا في مجال علم النفس التحليلي إذ تتطلب الظواهر النفسية التي يدرسها ، كالهستيريا والقلق والأحلام مثلا، تأويلا للعلامات والرموز التي تميزها من أجل الكشف عن دلالاتها ومعانيها الباطنية والحقيقية. كما يتطلب الأمر أحيانا ضربا من التعاطف الذي ينبغي أن يقيمه المحلل النفسي مع مريضه لكي يتفهم مشاكله النفسية وينفذ إلى أعماقها.
هكذا يمكن القول مع غاستون غرانجي Gaston Grangerأن فعل العقل في الظواهر الإنسانية يتراوح بين منهجين أساسيين هما: التفسير الذي يستهدف الكشف عن العلاقات الثابتة التي تربط بين الوقائع الإنسانية، والفهم الذي يرمي إلى حدس الإحساس وتأويل الفعل الإنساني للكشف عن معانيه ودلالاته. ولهذا يبدو أنهما منهجان متكاملان لا يمكن الاقتصار على أحدهما دون الآخر في دراسة الظواهر الإنسانية. والرهان الصعب يتمثل في كيفية المزاوجة بينهما على نحو فعال يمكن من فهم حقيقي للظاهرة الإنسانية في أبعادها المختلفة



التاريخ


التــاريــخ الإنسان في الوضع البشري شخص يتفاعل مع الغير و له ماض تُؤثِّرُ أحداثُه الحية في تكوين هويته و تأطير علاقاته و تحديد قيمته و مصيره . فالإنسان إذن كائن تاريخي يتأثر بماضيه و يسعى لمعرفته ، و يستشرف في ضوء ذلك مستقبله و يعمل على تحقيقه . إنه يتأثر بما أنجزه السَّلَف و سوف يؤثر بما يفعله هو في الخَلَف . و يبدو أن كلمة التاريخ تحمل عدة معان : فهي من جهة تدل على الماضي و ما وقع فيه من أحداث ، و من جهة ثانية المعرفة بذلك الماضي ، و من جهة ثالثة قدرة الإنسان على تجاوز الماضي و صنع المستقبل . فما التاريخ ؟ وهل يمكن قيام معرفة علمية بالتاريخ ؟ ومن يتولى قراءة التاريخ : المؤرخ أم الفيلسوف ؟ و كيف يتحرك التاريخ ؟ و ما هي القوة الفاعلة و المحركة للتاريخ ؟

1) المعرفة التاريخية :

يرى المفكر المغربي المعاصر عبد الله العروي أن قراءة التاريخ عمل مشترك بين المؤرخ و الفيلسوف ، فكيف ينظر كل منهما للتاريخ ؟ إن المؤرخ يهتم بالأحداث العابرة ( هذه الحرب أو تلك لا الحرب بصفة عامة ، كالحرب العلمية الأولى مثلا ) ، أما الفيلسوف فينشغل بالبحث عن القوانين الدائمة التي تحكم تاريخ البشرية ككل ( القانون العام الذي يجعل البشر يتحاربون مثلا ) . فالمؤرخ يبحث عن تسلسل و تعاقب الأحداث في زمان و مكان معينين ؛ أما الفيلسوف فيتساءل عن القانون العام الذي يحكم وقوع الأحداث . لكن الاختلاف بينها لا يعني تعارضهما بل تقاطعهما و تكاملهما . فكل طرف يستفيد من عمل الآخر : فالمؤرخ يحتاج إلى نظرة فلسفية توجه عمله وتمكنه من فهم الحدث الجزئي في إطاره العام ، و الفيلسوف يتوقف على معطيات تاريخية تسند نظريته لتأكيد مصداقيتها . ويؤكد هذه الفكرة الفيلسوف و عالم الرياضيات الفرنسي دالمبير jean le rond D’ALEMBERT (1717-1783) بقوله : ‘‘ أن علم التاريخ عندما لا يكون مُضَاءً بنور الفلسفة يكون في مُؤَخّْرة المعارف الإنسانية ’’.

التاريخ أحداث مضت و لم يعد لها وجود ، لكن أثرها لا زال مستمرا يفعل فعله في الحاضر و يمتد نحو المستقبل . فالتاريخ إذا هو ماضي انقضى و ولى و لم يعد موجودا كأحداث و إنما كآثار، و المعرفة التاريخية هي الوعي بهذا الماضي . فكيف يمكن استعادة و استرجاع هذا الماضي ؟

يمكن استعادة الماضي انطلاقا من المصادر التاريخية (وثائق و آثار ) التي خَلَّفَها السابقون كشاهد على ما حدث لهم و ما أنجزوه . لكن الوثائق ليست تاريخا و إنما شاهد عليه .‘‘ فالتاريخ يُصْنَعُ بالوثائق ، و حيث لا وثائق لا تاريخ ’’. فكيف يستعيد المؤرخ الوقائع التاريخية من الوثائق ؟ ليست المعرفة التاريخية جاهزة في الوثائق ، و إنما هي عملية بناء منهجي ينجزها المؤرخ انطلاقا من وثائق و اعتمادا على منهج و تأسيسا على موقف يلتزم به المؤرخ . لكن عملية البناء هاته تعترضها عدة عوائق . فما هي هذه العوائق ؟ وكيف يكمن تجاوزها ؟

ثمة صنفان من العوائق : عوائق تتعلق بالمادة التاريخية أي الوثائق ، و عوائق تتعلق بذاتية المؤرخ . فالوثائق ليست تسجيلا كاملا لما حدث ، و أن بعض ما وقع لم يتم تدوينه . و أن بعض الوثائق نَقَلَتْ بعض ما وقع و سكتت عن بعض و شوَّهت بعضها الآخر و أن بعضها كان اختلاقا لأحداث و ربما نسبت أدوارا تاريخية لأشخاص لم يكن لها دور . و هذا ما يجعل الوثائق ليست تسجيلا أمينا و صادقا و موضوعيا. فالوثائق لا تخلو من مواقف أصحابها ، بحيث تكون تعبيرا عن موقف لا وصفا لما وقع . و أن الوثائق حول موضوع واحد تكون متعارضة و متضاربة . وأن الوثيقة الواحدة قد تقرأ بحسب مواقف المؤرخين عدة قراءات مختلفة ، و قد يعاد قراءتها في ضوء اكتشاف وثائق جديدة أو تلبية لحاجات العصر (القراءة الوطنية – القراءة الاستعمارية ....) إضافة إلى كل هذا فإن بعض الوثائق تعرضت للتلف و الضياع ، و أن بعضها ليس في متناول المؤرخين ... أما العوائق المتعلقة بذاتية المؤرخ فتتجلى في كون المؤرخ ذاتٌ لها إيديولوجيتها (خلفياتها الحضارية – معتقدها الديني و موقفها المذهبي – و توجهاتها السياسية و الاقتصادية –انتماؤها الطبقي – وانتسابها الوطني - تحيزها العرقي – ميولاتها العاطفية....) . و يقترح الفيلسوف الفرنسي بول ريكور paul RICOEAR (1913-2005) لتجاوز هذه العوائق اعتماد منهج علمي يقوم على جملة خطوات وهي : الملاحظة و المساءلة والاستنطاق و إعطاء الوثائق دلالات و بالتالي إعادة بناء الواقعة التاريخية . إن اعتماد هذا المنهج يمكن المؤرخ من فحص الوثائق و التأكد من صدقيتها و الربط فيما بينها و ملء الفراغ الذي تتركه و إضفاء المعقولية عليها . و إذا كان المؤرخ ينتمي للحاضر فهل يمكنه بواسطة هذا المنهج معرفة الماضي كما يعرف الحاضر ؟ يجيب عالم الاجتماع الفرنسي أرييل آرونARON Ariel (1905-1983) إن المعرفة بالماضي تختلف عن المعرفة بالحاضر . فالمعرفة بالحاضر هي معرفة تلقائية عفوية بما نعيشه أي بالعالم المحيط بنا ، أما المعرفة بالماضي فهي معرفة غير مباشرة تقتضي جهدا منهجيا لإعادة بناء ما لم نعشه أي عالم الذين عاشوا قبلنا . إذن فعلمية الدراسات التاريخية هي نتيجة ممارسة منهجية يماثل فيها عملُ المؤرخ عملَ الفيزيائي .
إن اعتماد هذا المنهج يمكن فعلا من تجاوز العديد من الصعوبات لا كلها ، الأمر الذي يُبْقِي المعرفة التاريخية معرفة نسبية و ناقصة .

لم تكتف المعرفة التاريخية بفهم الماضي البشري بل سعت أيضا إلى التساؤل عن إيقاع حركة التاريخ ، فكيف يتحرك التاريخ ؟

2)- التاريخ و فكرة التقدم :


الغاية من معرفة الماضي هي المعرفة بالمنطق الذي يتحرك وفقه التاريخ ، و ذلك لاستشراف المستقبل . يعتقد البعض أن التاريخ تقدم ، فما التقدم ؟ وهل التقدم هو القانون الوحيد الذي يحكم حركة التاريخ ؟

التقدم حركة نمو متزايد يَفْضُلُ فيه اللاحقُ السابقَ و يزيدُ عليه ، و يسير نحو بلوغ الكمال . إنه مفهوم يفترض انسجام و تجانس حركية التاريخ ، يستبعد الصدفة و المفاجأة ، و ينهض على الحتمية التي يمكن في ضوئها توقع المستقبل .

يربط كارل ماركس (1817-1883) تاريخ الإنسان بعملية الإنتاج ، و الإنسان إذ ينتج حاجاته ينتج ذاته و شروط حياته و بالتالي يصنع تاريخه . و لقد عرف الإنسان حتى الآن تعاقب 5 أنماط إنتاج ، و هي : نمط الإنتاج المشاعي البدائي – نمط الإنتاج العبودي – نمط الإنتاج الإقطاعي – نمط الإنتاج الرأسمالي و أخيرا نمط الإنتاج الاشتراكي . و أن الانتقال من نمط إنتاج إلى النمط الذي يعقبه يتم نتيجة تناقض علاقات الإنتاج و قوى الإنتاج ، الذي يُعَبِّر عنه الصراعُ الطبقي . و أن هذا الانتقال تم تدريجيا و وفق شروط موضوعية نحو الكمال ، بحيث يكون فيه اللاحق أرقى من السابق ، و أن الآتي سوف يكون بالضرورة أسمى . و عليه فإن القول بالتقدم يعني أن للتاريخ نهاية ، و نهاية التاريخ عند الماركسية هي قيام نمط إنتاج غير طبقي هو النظام الشيوعي . يفهم من هذا أن التقدم عند ماركس هو منطق التاريخ .

غير أن مفهوم التقدم تعرض على يد نظريات فلسفية لعدة انتقادات ، مادام أن التاريخ نفسه يقدم الدليل على أن مجتمعات شهدت تأخرا (المجتمعات الإسلامية ) ، و أخرى لا زالت تعرف ركودا ( المجتمعات البدائية حاليا ) ، و أن حضارات تفككت و انهارت و لم يعد لها وجود . و لقد عرف التاريخ أيضا مفاجآت و اضطرابات و أحداثا عرضية إذ لم يحدث فيه ما كان متوقعا ، و حدث فيه ما لم يكن منتظرا . إذا فالتاريخ يعرف سخونة و برودة ، و أن حركته ليست منتظمة و لا محددة سلفا ، و لا تسير بالضرورة نحو الكمال ، و أن ليس للتاريخ نهاية محددة . و عليه فلا توجد حتمية مطلقة في التاريخ . و يؤكد الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926-1984) هذا بقوله : ‘‘ إن ما يجري الآن ليس بالضرورة أفضل مما كان يجري من قبل و أجود منه إنشاء أو وضوحا .’’ . و يؤكد غرامشي (1891-1937) نفس الشيء بقوله : ‘‘ الصيرورة مفهوم فلسفي يمكن أن يخلو من معنى التقدم . إن التقدم مرتبط بالمفهوم الساذج للتطور .’’

و لذلك يرى البعض أن التقدم مفهوم إيديولوجي نادت به و تحمست له الطبقة البورجوازية ، و رأت فيه مصلحتها و علقت عليه آمالها لتنزع عن الماضي بهاءه و مَجْدَهُ ، و تقضي على تلك الأسطورة التي تقول بماض ذهبي عرفته الإنسانية ، و عليها أن تَحِنَّ إليه حنينا متواصلا ، و أهم الانتقادات الموجهة لفكرة التقدم هي :

التقدم فكرة معيارية تحمل حكما تقديريا ، تعبر عن رغبة الطبقة البورجوازية ، و ادعاء انتصارها بأن المجتمع الحالي أفضل من السابق . إنه مفهوم ذو نزعة تبريرية تخلط بين الرغبة و الواقع .
إن فكرة التقدم ليست عامة و كلية صالحة لتفسير كل حركة التاريخ الإنساني .
إنه مفهوم ذو صلاحية قطاعية لا يمكن أن ينسحب على التاريخ برمته : لا يهم كل المجتمعات ، و لا كل القطاعات . يقول ماو تسي تانج (1893- 1976) : ‘‘ ليس في العالم شيء يتطور دائما بطريقة متكافئة ’’.
إنه مفهوم لا ينفصل عن فكرة نهاية التاريخ ، يفترض غائية و حتمية يمكن في ضوئهما توقع الأحداث بكل دقة و لا تترك للصدفة أو المفاجأة مجالا .
إنه مفهوم يهمل الجزئيات لصالح وفائدة الكل .
غير أن مشروعية فكرة التقدم توجد في كونها موجهة لطموح الإنسانية في سبيل تجاوز مظاهر التخلف .

و في نفس السياق يؤكد الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو- بونتي (1908-1961) أن منطق التاريخ (التقدم ) ليس سوى إمكانية ضمن إمكانيات أخرى . فلقد عرف التاريخ بالإضافة إلى التقدم تأخر مجتمعات و ركود أخرى و انهيار ثالثة .... وأن قطاعات اجتماعية تقدمت في حين أن قطاعات أخرى عرفت ركودا أو تراجعا ، و أن أحداثا حصلت فجأة ، الشيء الذي يدل على أن التاريخ تتخلله انحرافات و قفزات و مفاجآت و ركود و تراجعات و تخلف و انحطاط أي أن حركة التاريخ ليست محددة سلفا و أن ليس للتاريخ هدف معين يسير نحوه . إذا فحركة التاريخ غير متجانسة أي عرضية ، لكنها لا تتعارض مع منطق التاريخ و لا تلغيه . و لذلك صار منطق التاريخ (أي فكرة التقدم ) مجرد إمكانية ضمن إمكانيات أخرى . و هذا ما يجعل حركة التاريخ سيرورة مفتوحة على كل الاحتمالات .

3 )- دور الإنسان في التاريخ :

تقودنا فكرة حركية التاريخ إلى طرح السؤال التالي : أي دور يقوم به الإنسان في التاريخ ؟

يقارب الفيلسوف المثالي الألماني هيجلHEGEL (1770-1831) هذه الإشكالية من خلال نقده للتصور المتداول و المألوف للتاريخ الذي يقول أن أبطال و عظماء التاريخ (رجال الدولة و السياسة و رجال الاقتصاد و الأعمال و القادة العسكريون و العباقرة من العلماء و الأدباء و الفنانين ...) هم الفاعلون الحقيقيون في التاريخ . غير أن هيجل يرى أن التاريخ ليس أحداثا متعاقبة بل إنه حركة روح موضوعية كلية . فهذه الروح نشيطة توجد في صيرورة تفصح عن ذاتها في أفكار يعتنقها العظماء ، كل في مجاله و في المرحلة التاريخية التي يوجدون فيها ، و يعملون على انجازها بحيث أن اللاحق يواصل ما انتهى إليه السابق . و عليه فالتاريخ هو تاريخ أفكار لا تاريخ أشخاص ، فالأشخاص يتساقطون مع الزمن ، أما الأفكار فتواصل تقدمها و نموها . و ليس الأشخاص سوى أدوات و وسائل في يد الروح تسخرهم في صيرورتها نحو المطلق .

إذا فالتاريخ ماكر يظهر لنا أن الأبطال هم صناع التاريخ لكنهم في الحقيقة مجرد أدوات مسخرة . فالأشخاص مثلا ليسوا أحرارا إلا بالانتماء لفكرة الحرية و النضال من أجلها . و هكذا كل واحد من المناضلين يكافح و يعتقل و يُعَذَّبُ و يموت من أجلها ، و يواصل الجيل الذي بعده العمل من أجل نموها . فهم يتساقطون لكنها هي تستمر نامية مع الزمن .

أما جان بول سارتر( 1905-1980) الفيلسوف الوجودي الفرنسي فيعارض التصور الهيجيلي مؤكدا أن ليس للتاريخ من فاعل ما عدا الإنسان ، فالإنسان ليس أداة في يد روح كونية لا وجود لها . كما أنه ينتقد التصور الماركسي الذي يؤكد أن الإنسان في فاعليته التاريخية محكوم بشروط موضوعية ، الأمر الذي يجعل منه آلة في يد قوى غير بشرية . يقول سارتر : ‘‘ الإنسان هو الكائن الذي يملك إمكانية صنع التاريخ ’’. ليس الإنسان أداة بل فاعلا تاريخيا له مشروع ذاتي يسعى بوعي و حرية لانجازه . فتاريخية الإنسان لا في كونه يحمل ماض حي بل في كونه يصبو نحو المستقبل عن طريق الممارسة . فالممارسة هي فعل الذات الواعي الحر القصدي و الخلاق لتحقيق مشروعها الذاتي . و الممارسة نفي و إبداع : نفي و تجاوز الوضعية التي يوجد فيها ، و إبداع ذاته كمشروع مستقبلي. فالإنسان ليس نتيجة الظروف ، بل إن الظروف نفسها من إنتاجه ، إنه الفاعل الحق للتاريخ . يقول سارتر : ‘‘ إن الأساسي ليس هو ما صُنِعَ بالإنسان ، بل صَنَعَهُ هو بما صُنِعَ به ...أما ما يَصْنَعُهُ الإنسانُ فهو التاريخ ذاته ، هو التجاوز الواقعي لهذه البنيات عن طريق ممارسة جامعة . ’’

لم يبق التاريخ مع سارتر مجالا للضرورة ، بل مجالا للحرية يحقق الإنسان فيه ذاته على الدوام كمشروع . و عليه فتاريخية الإنسان لا في كونه مشروطا بأحداث الماضي فقط ، وإنما أيضا في قدرته على صنع ماهيته بأن يقذف بنفسه نحو المستقبل كمشروع ذاتي 





مفهوم اللغة



إطار الدرس :
يعتبر مفهوم اللغة من بين أهم المفاهيم التي إنشغلت بها الفلسفة المعاصرة واللسانيات وكذلك بعض العلوم الإنسانية مثل علم النفس اللغوي وعلم الاجتماع، وهكذا فإن مقاربتنا لهذا المفهوم ستخضع لمقاربة فلسفية وأخرى علمية .
I- من الدلالات إلى الإشكالية :  أ- الدلالة العامة :  في هذه الدلالة ترتبط اللغة بالكلام إذ يقول عامة الناس فلان يتكلم اللغة العربية أو الفرنسية... .
إذا تمعنا في هذا التعريف لن نستطيع التمييز بين اللغة والكلام. فهل اللغة هي الكلام، أم تتجاوزه إلى أشياء أخرى ؟
هذا ما سنعرفه من خلال دلالتين اللغوية والفلسفية .  ب- الدلالة اللغوية :  يقول إبن منضور عن اللغة "أصوات يعبر بها قوم عن أغراضه لنحلل هذا التعريف : - يحصر هذا التعريف اللغة في الأصوات وهذا يعين أن الأصوات كلام، الشيء الذي يجعل إبن منضور لايخرج عن الدلالة العامية التي تربط اللغة بالكلام.
- إن إعتبار اللغة أصوات يجعلنا نطرح تساؤلين : - كيف يتواصل الحدواليك إذا إختزلنا اللغة في الكلام والصوت .؟
- بمعنى آخر هل الأصوات هي الوسيلة الوحيدة للتواصل والتعبير ؟  (الحيوانات لها أصوات، فهل معنى هذا أن لها لغة ؟ نضيف إلى هذه الاستنتاجات خلاصة أخرى ترتبط بالوظيفة النجيرية للغة، الشيء الذي يدفعنا إلى طرح التساؤل التالي : أليست هناك وظائف أخرى للغة غير التعبير كمثل الإخفاء – الكذب... ؟
- يجعل التعريف السالف الذكر اللغة مرتبطة بقوم معين الشيء الذي يدفع إلى التساؤل إن كانت هناك لغة كونية ؟   ج- الدلالة الفلسفية : كل هذه الأمثلة السابقة تبين بوضوح المغالطات و التناقضات التي تقع فيها الدلالة اللغوية، مما يفرض علينا الأنتقال إلى الدلالة الفلسفية .  – يقول لا لونك أن للغة معنيان، معنى خاص ومعنى عام.  معنى خاص : وظيفة التعبير الكلامي عن الفكر داخليا وخارجيا.  
معنى عام ذلك وكل نسق من العلامات يمكن أن يتخذ وسيلة للتواصل".
إستنتاج :
نستنتج من هذا التعريف أن اللغة بالمعنى الخاص تتقابل مع الكلام واللسان، باعتبار الكلام نوعا من اللغة وليس كلها واللسان خاص بمجتمع معين، أما اللغة فهي مشتركة بين البشر.
من خلال هذه الاستنتاجات يمكن إستخلاص الإشكالية الفلسفية لدرس اللغة، نحملها على الشكل التالي : إذا كانت اللغة حسب لا لند تعبر عن الفكر أفلا يمكن أن نقول العكس، أنها تؤدي إلى الأخطاء والكذب أكثر من الكشف والتعبير ؟ ثم ماهي علاقتها بالفكر والأشياء (الواقع) ؟ وإذا كانت اللغة علامات صوتية والحيوانات لها أصوات، فهل معنى ذلك أنها تشترك مع الانسان في إمتلاك اللغة ؟ أم أن اللغة تبقى خاصية إنسانية ؟ ما طبيعة العلامة والرمز اللسانيات وما علاقتهما بالمعنى والدلالة ؟ هل اللغة تعبر عن الواقع أم عن الفكر ؟ وهل يمكن تصور فكر فإستقلال عن اللغة ؟ كيف تؤدي اللغة وظيفة التواصل ؟ .
II- اللغة الانسانية واللغة الحيوانية ؟
  تحليل نص               "الكلام خاصية للإنسان"
خطوات تحليل النص الفلسفي :
مقدمة : وصف النص : من هو صاحبه – ماهو مصدره ؟
- ماهي المدرسة الفلسفية التي يمثلها النص ؟  - ماهو موضوع النصب ؟  - ماهو الاشكال الذي يجب عنه النص ؟
عرض :
- ماهو الجواب أو الأطروحة التي يقدمها النص كجواب عن الاشكالية (تصاغر الأطروحة بشكل مختصر سطرين على الأكثر).   – شرح الأطروحة.    – ماهي الحجج التي يدافع بها الفيلسوف عن أطروحته.  – خلاصة للفقرة الأولى نستغلها في طرح تساؤل يمهد للمناقشة.
المناقشة :
سنقدم في المناقشة المواقف والأطروحات الفلسفية المعارضة.
خاتمة :
خلاصة تركيبية بين الأطروحتين المقدمتين في العرض مثال تطبيقي :
(نص ديفارت الكلام خاصية الإنسان)
مقدمة :
مثل هذا النص وجهة النظر العقلانية حول إشكالية اللغة الإنسانية والحيوانية، وقد إنطلق في هذا النص (كيارت) من التساؤل التالي : هل يمكن إعتبار اللغة قاسما مشتركا بين الانسان و الحيوان ؟ بمعنى آخر هل الحيوان قادر عن الكلام كما هو الشأن بالنسبة للإنسان. وإذا كان الجواب بالنفي فما الذي يفسر قدرة الإنسان على الكلام. هل يرجع ذلك إلى العقل أم إلى الغريزة.
فرض :
- موقف ديكارت : لايخرج جواب ديكارت على هذه التساؤلات خارج إطار فلسفية العقلانية التي تجعل من العقل أساس تصوره إشكالية اللغة، وبناء عليه يؤكد ديكارت أن اللغة خاصية تقتصر على الإنسان ولا وجود للغة بهذا المعنى لذى الحيوان، ويفسر ديكارت ذلك، أي قدرة الانسان على الكلام بإمتلاكه العقل مهما كانت درجة هذا العقل من البساطة، حتى ولو كان هذا الإنسان يفتقر لجهاز النطق فإنه قادر على التعبير والتواصل كما هو حال الصم والبكم. أما ما تردده بعض الحيوانات مثل للعقعق والببغاء من كلام فيعتبره ديكارت مجرد إنفعالات غريزية و إستجابات آلية لا تعكس وعيه بما يقول. وبالتالي فإن اللغة خاصة بالإنسان دونه والحيوان.
وقد اعتمد ديكارت في دفاعه عن موقفه (أطروحته) هاته إعتمادا على منهجية إستدلالية أو حجاجية تنبني على المقارنة من الإنسان والحيوان فيها يتعلق بإشكالية اللغة، وقد قدم في هذا الإطار مجموعة من الأمثلة المدعمة والموضحة لأطروحته (كالصم والبكم والعقعق والببغاء) كما وظف الروابط المنطقية (هما – حنين وبالعكس ولكنها – أي في حين) والهدف من كل هذا هو الوصول إلى الخلاصة التالية وهي أن الكلام خاصية إنسانية فقط نظرا لإمتلاك الانسان للعقل.
- الموقف اللساني : ويؤثر هذا التصور الفلسفي نتائج الدراسات اللسانية المعاصرة، إذ يؤكد Benveniste بناء على دراسات العالم الألماني C.V  Frich لأشكال التواصل لدى النحل حدد فيها ثلاث خصائص للغة الإنسانية وهي :
- الإرتكاز على الصوت.    – تحرر العلامة أو الرمز من الموضوع الخارجي.   – قابلية الكلام البشري للتفكيك إلى وحداث لغوية وصوتية دالة وأخرى غير دالة قابلة للتأليف وإعادة التأليف إلى مالا نهاية.
وبناء على هذه الخاصية الثالثة يستخلص :
خاصية رابعة هي التمفصل المزدوج ولتوضيح هذه الخاصية يميز Martinet  بين نوعين من الوحدات اللغوية.
أ- الشوينقان :
وهي وحدات لغوية دالة تقبل التجزئة إلى وحدات أصغر غير دالة وهي ما يسمى بالكلمات (كوثر) .
ب- الفويمات :
وهي وحدات صوتية غير دالة لاتقبل التجزئة مثل الحروف ويتمثل التمفصل المزدوج في المثال التالي، ستذهب كوثر.
- المفصل الأول : وهو الذي يكون بين المونيمات والكلمات، وحينما نغير موقع الكلمة أو حذفها ونستبدلها بأخرى بتغير المعنى وهذا ما يسمى بالتأليف وإعادة التأليف بين المونيمات لإنتاج دلالات جديدة : س + قد + ذهب + كوثر. نحذف كلمة ذهب ونستبدلها بكلمة أتى.
- المنفصل الثاني : وهو الذي يكون بين الحروف أو الفونسيان حيث إذا غيرنا مواقعنا داخل الكلمة (المونيمة) أو إذا إستبدلناها بأخرى فتعطي معنى جديد مثل : كل ملك – لك.
خلاصة :
- هكذا يكون بمقدور الانسان أن ينتج مالا نهاية من العبارات والكلمات ومن تم من الدلالات والمعاني من عدد محدود من الوحدات اللغوية البسيطة، وهذا ما يسميه الله انيين. الاقتصاد اللغوي.
هذا ويعتبر kassirer أن العلامة والزمن نتاج للنشاط العقل الإنسان حيث يتخذها وسائط رمزية تمثيلية تربط بشكل غير مباشر بين الفكر والواقع. وتمكن الانسان من التحرر من سلطة الواقع المادي بواسطة ذلك النظام الرمزي الذي يتشكل من : علوم – فلسفات – بيانات – فنون – أساطير... وهكذا يكون الانسان عبارة عن حيوان رامز لايدرك الواقع ولا يتواصل مع الآخرين إلا من خلال أنساق رمزية. وكلما تقدم هذا النسق الرمزي إلا وتوارى الواقع إلى الوراء ليعيش الانسان وجها لوجه أمام الفكر كبعد آخر من أبعاد الواقع حيث يجد نفسه أمام نظام رمزي لا يحيل مباشرة على الواقع الخارجي، وإنما يحيل على تصور أو فكرة ذلك أن الأفكار هي العمل الطبيعية للأشياء، أما العلامات والرموز اللسانية فهي علامات للأفكار، فكيف تنشأ الدلالة والمعنى ؟ كيف تنشأ الدلالة والرمز اللسانيات ؟ وماعلاقتهما بالأشياء والموضوعات.
                                      الرمز والعلامة
المحور الثالث : العلامة والرمز اللسانيات :
تحليل نص Hegel
مقدمة :
يمثل النص الذي بين أيدينا وجهة النظر العقلانية الجدلية حول إشكالية العلامة والرمز اللسانيات فما هي العلامة وماهو الرمز ؟ وما هو الفرق بينهما ؟ وما هي علاقتها بالأشياء والفكر ؟ .
عرض :
نبطي هيكل في هذا النص معنيان للعلامة معنى عام حيث يكون للرمز والعلامة لنفس المعنى، ومعنى خاص حيث يكون لهما معنيان متناقضان. وهذا يعتبر هيكل أن العلاقة بين الدال والمدلول في العلامة الخاصة هي علاقة إعتباطية، نتيجة المواضعة والاتفاق، فالعلاقة هنا غريبة وعرضية إذ ليس هناك أي قاسم مشترك بين الدال والمدلول اللهم ما إصطلح عليه الناس. لكن في المقابل نجد أن العلاقة بين الدال والمدلول في العلامة الخاصة التي تكون الرمز هي علاقة طبيعية فهي ليست علامة إعتباطية ولا محايدة، بل إنهما يشتركان في بعض الخصائص مع أنهما يختلفان في أخرى، فتطابقهما ليس كاملا ولا تاما بل هو تطابق جزءي وإلا لما كان الرمز رمزا.
وقد قسم هيكل نصه هذا إلى قسمين (فقرتين) تبتدأ الفقرة الأولى من بداية النص الأمة مثلا، حاول من خلالها أن يحلل إشكالية العلامة.
أما الفقرة الثانية فتبدأ من الأمر مختلف إلى نهاية النص تطرق فيها إلى إشكالية الرمز.
وقد دافع عن موقفه من العلامة والرمز إعتمادا على أسلوب التمثيل حيث قدم مجموعة من الأمثلة الملموسة كالألوان التي تدل على أمة من الأمم أما في الرمز فقد قدم مثال الأسد والثعلب والدائرة موظفا في هذا الإطار أسلوب المقارنة والتقابل بين العلامة من جهة و الرمز من جهة أخرى، مستعملا مجموعة من الروابط المنطقية مثل : غير – بين – إنما – هكذا – ذلك... كما إستعمل أسلوب النفي لايتلان والاستثناء ولكن ..بل والتأكيد إن وكذلك الاستنتاج وهكذا... وهكذا تنتهي مع هيكل إلى أن العلامة إعتباطية بينما الرمز علامة طبيعية.
لكن هل يمكن إعتبار جميع العلامات ذات بعد إعتباطي متفق عليه ؟ ألا نجد بعض العلامات تحاكي الطبيعية مثل كلمة دقيق – حرير – نافذة...؟ .
في المقابل أطروحة هيكل حول العلامة يعتبر أفلاطون العلاقة بين الدال والمدلول طبيعية وليست إعتباطية إذ يرى أن لكل شيء علامة أو إسما منسوبا إليه بصورة طبيعية وأن هذا الإسم ليس مصدره الانفاق ولكن الطبيعة هي التي منحت للأسماء معانيها، وأن كل شيء يأخذ إسمه من الطبيعة من خلال المحاكاة وتقليدها، وأن المشرع الذي يستطيع محاكاة الطبيعة هو المؤهل في نظر هيكل لتجزئ الصورة في الحروف والمقاطع اللسانية. وهكذا فإن الكلمات والأسماء تحاكي أصوات الطبيعة مثل حرير المياه، لفيف الأشجار.
خاتمة :
في هذا النص نرى أن هناك علاقة تعارضية بين هيكل و أفلاطون في إعطاء مفهوم العلامة والرمز فكل حسب مايراه، فهيكل يرى أن العلامة لاترتبط بالطبيعة عكس أفلاطون الذي يراها محاكاة للطبيعة.
المحور الرابع :  اللغة – الفكر – التواصل – السلطة :
تمهيد :
من تطرق في هذا المحور إلى دراسة طبيعية العلاقة بين اللغة والفكر من جهة والسلطة من جهة ثانية، ثم وظائف اللغة، فإذا علمنا أن لكل من اللغة والفكر طبيعتان متناقضتان فكيف يمكن الحديث عن العلاقة بينهما ؟ بمعنى آخر ماهي طبيعة العلاقة بين اللغة والفكر ؟ هل هما منفصلان أم متصلان ؟ هل الفكر سابق عن اللغة مستقل عنها .؟ أم أنها أساسا الفكر ومنتجة ؟ .
د) الأطروحة الميتاويزيفية :
تقول بأسبقية الفكر عن اللغة واستقلاله عنها ويتبناها كل من أفلاطون – ديكارت – برحسون.
أ- موقف أفلاطون :
إذا كانت المعرفة حسب أفلاطون تذكر والجهل نسيان. فإن الأفكار تكون موجودة في أعماق النفس ينبغي فقط تذكرها بواسطة التأمل العقلي، وعليه فاللغة حسب أفلاطون لاتصنع الفكر لأنه سابق في وجوده عليها وما ينبغي القيام به هو تذكر من أجل معرفته، فالفكر هنا صورة توجد في عالم المثل أما اللغة فهي في العالم نفسه عالم الحلال والأوهام.
ب- موقف ديكارت :
إنطلاقا من الكوجيطو "أنا أفكر إذا أنا موجود" يعتبر ديكارت الفكر جوهر روحي مستقل خاصية الوحيدة هي التفكير أما اللغة بإعتبارها أصوات فهي جوهر ممتد" ومن تم فاللغة والفكر حسب ديكارت من طبيعتين متناقضين هو روحي وهي مادية وبالتالي فالفكر مستقل عن اللغة و منفصل عنها.
ج- موقف هنري برجسون.
يرى برجسون أن لغة العقل التي تقوم علما لتقسيم والتجزئ والقياس والتكمين بتقي عاجزة عن التعبير عن الفكر وإدارك الأيمومة النفسية التي لانفردها إلا بالحدس، خصوصا ما يتعلق بالتجارب الروحية والاشراقات الصوفية حيث تبدو هذه التجارب أغنى وأوسع من اللغة العادية التي رغم أنها مكنت الانسان من السيطرة على الطبيعة وتحريره من سلطة الأشياء فإنها تبقى في نطاق التجارب السطحية في حالات الوعي والشعور.
2- الأطروحة العلمية (اللسانية) :
د-
على عكس التصور التقريبي لعلاقة اللغة بالفكر يعتبر هذا الفيلسوف أن الفكر بدون لغة ليس سوف كتلة عديمة الشكل غير متميزة لا فواحل فيها ولا وحدات، إنه ليس سوى غماء وشديد ليس فيه شيء محدد، وهو مضطر لكي يزول عن عمائه إلى الاسقانة باللغة من أجل التمييز بين فكرتين ومعنيين بصورة واضحة. فاللغة هي التي تضع تقسيمات وتفصل بين الوحدات لكي تتضح الأفكار وتتمايز. وهكذا ليس هناك فكر سابق عن اللغة ومنفصل عنها. ومن أجل البرهنة على هذه الأطروحة قدم هذا الفيلسوف مجموعة من الأمثلة وقد شبهها بنسمة ريح هبت على صهريج ماء فادت إلى جعل سطح الماء ينقسم إلى تقسيمات وتموجات، فهذه التموجات هي التي تعطينا فكرة عن علاقة اللغة بالفكر، كما قدم مثالا آخر شبه فيه علاقة اللغة بالفكر بوجهي الورقة النقدية، فالوجه هو الفكر والمظهر هو اللغة، ولا يمكن أن نحدث قطعا في وجه الورقة دون أن نقطع ظهرها في نفس الوقت. وهكذا لايمكن تصور فكر بمجزل عن اللغة بل هما متداخلات كل منهما محتوى الآخر.
تحليل نص                           الفكر والكلام
مقدمة :
نعتبر النص الذي بين أيدينا أحد النماذج الفلسفية، التي تحاول التفكير في إشكالية اللغة والفكر وطبيعة العلاقة التي تجمعهما، من الناحية الفينومونولوجية، وبناء عليه يمكن طرح الإشكالية التالية :
- ماهي طبيعة العلاقة بين الكلام والفكر ؟    - هل يمكن أن يكون الكلام مجرد علامة للفكر ؟ سعنبي آخر هل يمكن أن نقبل أن تكون علاقة الكلام بالفكر علاقة إنفصال ألا يمكن على العكس من ذلك أن يكون الكلام هو جسد الفكر وحضوره ؟ .
عرض :
أ- التحليل : يؤكد ميرلوبونين في هذا النص أي علاقة اللغة بالفكر لا يمكن أن تكون إلا علاقة إتصال وإحتواء متبادل لأنهما يتكونان في آن واحد، وهكذا فهو يرفض الموقف الكلاسيكي لعلاقة اللغة بالفكر، والذي يجعل الكلام مجرد علامة منفصلة عن ماتدل عليه بمعنى آخر ينفي ميرلوبونتي أن يكون الكلام مجرد لباس أو غلاف للفكر لأن الكلام هو جسد الفكر وشعاره، فما يجعل الفكر يحصر إلى العالم الخارجي هذا الكلام إذ لا وجوج لفكر خارج الكلمات والعلامات. وحتى التفكير الصامت الذي قد يوحي بانفصال اللغة عن الفكر في نظره كلام مهموس وبالتالي فالفكر ليس داخليا والكلام ليس شيئا خارجيا بل إنهما مظهران لوحدة اللغة مع الفكر. وقد إتخذ النص أسلوبا حجاجيا سجاليا بين موقفين متقارضين الأول يمثل التيار الكلاسيكي وهو الذي استهل به نصه ثم يتلوه مباشرة بموقفه الخاص مستعملا في ذلك مجموعة من الآليات الحجاجية، تعتمد بالخصوص على النفي أليس – فلا – لا يحتل أو الاستثناء (إلا) في محاولة الضغظ الموقف الكلاسيكي. ثم تعتمد على آلية التأكيد للدفاع عن موقفه الخاص (إن – لابد- بل – خيران...) كما إستعمل المنطق الشرطي دون أن ينسى توظيف تقنية نفسه (الصمت صحيح الكلام) الاستبطان لملاحظة التفكير الصامت الذي يبدو أنه تفكير لا يخلو من كلام ولو أن هذا الكلام غير مسموع. وفي هذا الإطار يمكن إستحضار تصور اللسانيات المعاصرة ممثلة في رائدها دي سوسي الذي يشبه علاقة بل للغة بالفكر بوجهي الورقة النقدية... أو يشبه علاقة اللغة بالفكر بعلاقة الرياح بسطح الماء.
هذه الأمثلة تؤكد على إتحاد اللغة بالفكر بحيث لايمكن تصور فليس بدون لغة. لكن ألا نجد في بعض الأحيان أن اللغة عاجزة عن التعبير عن الفكر ؟ أليست الطبيعة متناقضة لكل من الكلام والفكر سببا في إنفصالهما ؟ .
المناقشة :
نجيب عن السؤال الأول : يؤكد برجسون (للرجوع إلى الدرس) بينما يذهب ديكارت في نفس إتجاه برجسون بناء على تناقض خصائص كل من اللغة والفكر... .
اللغة والتواصل :
تمهيد :
إذا كانت اللغة أداة للتعبير عن الفكر فهي أيضا عنصر للتواصل الاجتماعي، فلا مجتمع بدون لغة، كما أنه ليس هناك مجتمع بدون تواصل، فكيف يتحقق هذا التواصل ؟ هل في إطار من الوضوح والشفافية ؟ أم أن عملية التواصل هي عملية غير بريئة يشوبها الكذب والاخفاء ؟ .
1- أطروحة رومان جاكو بسون : نعتبر اللغة في النظرية التواصلية لجاكوسيون أداة تبليغ للمعرفة والأفكار والمشاعر والمعلومات في إطار من الوضوح والشفافية بشرط توفر العناصر التالية : ا- السياق 2 – المرسيل 3 – الرسالة 4 – المرستل إليه إلا نضال السنن (اللسان المشترك) لكن هذه الوظيفة التواصلية للغة باعتبارها علاقة نقل خبر أو معلومات وأن هذه المعلومات هي بالتعريف تظهر على نحو صريح مكشوف أمام المتلقى قد أضحت موضع تساؤل من طرف اللسانيين أنفسهم فهل تكون اللغة أداة شفافة وبريئة تمكن من نقل الأخبار بهذا الوضوح والشفافية ؟ ألا يمكن أن نقول العكس، أن اللغة أداة إخفاء وكتمان وكذب ؟ .
2- أطروحة ديكرو : يرى ديكرو أن العلاقات بين الذوات لاترتد إلى التواصل بمعناه الضيق : وإنما تندرج تحت طائلة من العلاقات البشرية لا يصبح فيها اللسان أداة تواصل فقط، وإنما إطار مؤسسا تقوم عليه تلك العلاقات، لايصبح اللسان شرطا للحياة الاجتماعية فقط وإنما بمطالها، يحقد معها براءته، وشفافيته، هذا ما تؤكده التجربة اليومية، ذلك أن اللغة ليست وسيطا نريها وشفافا بين الدوان المتخاطبة بل كثيرا ما تنقلب إلى آلية للإخفاء والكتمان، أو التظاهر بالإخفاء بواسطة آلية الاخصار، تتحول معها اللغة إلى قواعد لعب يومي لا بالمعنى السطحي للكلمة وإنما كاستراتيجية يعتمد الحساب والتقدير المسبقين للنتائج، لايتحمل معها المتكلم مسؤولية النطاق بها. تعود ضرورة الاخمار هذه في العلاقات الاجتماعية إلى مجموعة من المحرمات اللغوية والدينية والاجتماعية والثقافية وإلى عوامل نفسية لاشعورية أو شعورية، ولاتقف هذه الإكراهات عند هذا الحد بل هناك إكراهات وإلزامات أخرى تفرض سلطتها على المتكلم تسمى بالإكراهات اللسانية فما هي هذه الاكراهات ؟ وكيف تفرض اللغة تسيطرتها على المتكلم ؟ .
اللغة والسلطة :
أطروحات رولان بارت :
يرى رولان بارت أن كل إنسان هو عبارة عن تصنيف قمتي يتحدد بالالزام والاكراه والارغام أكثر مما يتحدد بالمستحسن والمباح، وهكذا فالمتكلم ملزم باحترام قواعد معينة، ملزم باستعمال إما المذكر أو المؤنث : بدل المحايد، ملزم بتمييز ذاته عن الغير باستعمال ضمير المخاطب أنت أو أنتم، وهكذا فالفرد لايتكلم حسب إدارته ولكن سبقا لما تريده وتحدده القوانين اللسانية، لذلك تتجاوز اللغة في نظر رولات بارت وظيفة التبليغ والتواصل لتصبح أداة للسلطة والايضاح والارغام، الشيء الذي جعل بارن يصرح بأن اللسان    ذلك لأن الفايشي ليس هي الحيلولة دون الكلام وإنما الارغام عليه، وعليه يعتقد رولان بارت أنه ما أن ينطق الانسان حتى ينخرط في خدمة سلطة معينة، التي تجبر الأفراد على إنتاج خطابات تبعا لقواعد محددة سلفا .
وهكذا يميز R. I بين نمطين من السلطة في اللغة، تجعل المتكلم سيدا وعبدا في نفس الوقت، سيد من حيث الطابع الالكاتي التوكيلي للغة الذي تجعله ينصت ما يقوله. وعبدا من حيث الطابع القطيعي للتكرار. الذي ينزع إلى جعل الانمات تابعا وفردا في القطع يعتبر الكلمات والألفاظ التي ينطق بها في مجتمعه. هكذا نخلص مع رولان بارت أن لا حرية إلا خارج اللغة، وبما أن اللغة لا خارج لها فلا محيل لنا عنها إلا عن طريق المستحيل.